يقف وراء خطة توسيع الإنفاق العسكري عدد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب، ومن أبرزهم هيغسيث (أ ف ب)
خضر خروبي
السبت 10 أيار 2025
لم يعُد خافياً حجم التغيير الذي يتطلع إليه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ عودته إلى البيت الأبيض، في واقع الولايات المتحدة، بكلّ ما يتركه ذلك من انعكاسات على النظام الدولي، خصوصاً على مستوى علاقات واشنطن مع خصومها الإستراتيجيين، وفي طليعتهم بكين. وأرخت تلك التطلعات بثقلها على ما جاء في مسودة ميزانية هي الأولى في ولاية ترامب الثانية، تتماشى مع جهود وزير الكفاءة الحكومية، إيلون ماسك، لتقليص حجم الجهاز الحكومي، ومع تعهدات الرئيس برفع الإنفاق العسكري إلى مستويات تقارب التريليون دولار؛ كونها تضمّنت زيادة كبيرة في قطاعَي الدفاع والأمن الداخلي، فضلاً عن اقتطاعات كبيرة في مجالات حكومية أخرى.
تخفيض نفقات اجتماعية لتحسين ميزانية الدفاع
في انتظار تصويت الكونغرس، وما قد يقترحه من تعديلات على مسودة الموازنة للسنة المالية 2026، والتي ستبدأ في الأول من تشرين الأول المقبل، أكد مدير مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض، راسل فوت، الأسبوع الماضي، أن الميزانية المقترحة سترفع الإنفاق الدفاعي والأمن الداخلي بنسبة 13 في المئة (بقيمة 113 مليار دولار)، و65 في المئة (بقيمة 43.8 مليار دولار) على التوالي، مقارنة بالمستويات المقررة للعام الجاري، معلناً عزمه خفض ما يُعرف بـ«الإنفاق التقديري غير الدفاعي»، والذي يستثني نفقات وزارة الدفاع وبعض البرامج الإلزامية غير العسكرية كتلك المتعلقة بالضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، بنسبة 23 في المئة (بقيمة 163 مليار دولار)، وهو أدنى مستوى منذ 2017.
كما أكد فوت، في بيان خاطب به الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، أن مقترح الميزانية «سيؤمّن أخيراً حدودنا بالكامل»، في إشارة إلى إضافة مخصصات بعشرات المليارات لتنفيذ حملة ترامب للترحيل الجماعي، وبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، مضيفاً «أننا نحتاج في هذه المرحلة الحرجة إلى ميزانية تاريخية، تنهي تمويلاً يؤدي إلى تراجعنا». ودافع بأن الميزانية المقترحة «تضع الأميركيين في المقام الأول، وتقدّم دعماً لم يسبق له مثيل لجيشنا وأمننا الداخلي»، متابعاً أنها «ستزيل الفوضى التي ورثها الرئيس ترامب عن الإدارة السابقة وتعزّز (ضبط) الحدود والدفاعات الأخرى لحماية البلاد من غزو أجنبي».
ومع ذلك، رأى كل من رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري روجر ويكر، وزميله رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الدفاع في المجلس، السيناتور ميتش ماكونيل، أن المسودة لا توفّر المخصصات المالية اللازمة بالقدر الكافي للنهوض بالجيش. وفيما أشاد ويكر بـ«شعار السلام عبر القوة، الذي انتهجه الرئيس ترامب في حملته الانتخابية»، فهو اعتبر أن خطط الإنفاق على الدفاع من قبل الإدارة الحالية لا تختلف جوهرياً عن سياسة الإدارة السابقة، مرجعاً هذا الأمر إلى أن مستشاري ترامب في مكتب الإدارة والميزانية «لا يصغون إليه» في مجال السياسة الخارجية.
آخر عملية إصلاح رئيسية لمعدات الجيش الأميركي تعود إلى أواخر السبعينيات ومنتصف الثمانينيات
ومن جهته، ذهب ماكونيل إلى أن الميزانية المقترحة «ستُضاعف من حجم الإهمال الجسيم الذي خلفته إدارة بايدن إزاء التهديدات الصارخة للأمن الوطني»، في حين اقترحت رئيسة لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ، سوزان كولينز، تخفيضات إضافية في الإنفاق الحكومي الموجّه لدعم ذوي الدخل المحدود، ومن بين وجوهه برنامج دعم فاتورة الطاقة الكهربائية لهؤلاء.
وفي المقابل، ندّد كبير الديموقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، بمقترح ترامب، مهاجماً بنود خفض الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم. ولمح شومر، في بيان، إلى انكشاف كذب وعود الرئيس لمواطنيه، قائلاً إن «الأيام التي كان دونالد ترامب يتظاهر فيها بأنه شعبوي قد ولّت»، عادّاً سياسات الأخير «هجوماً شاملاً على الأميركيين الكادحين».
بين هيغسيث وباتلر... ماذا في خطط تطوير الجيش؟
مع أن مسودة الميزانية التي كشف عنها فوت، والتي تسبق مقترحات الميزانية الكاملة التي تصدر في وقت لاحق من العام وتتطلب مصادقة الكونغرس، تتشابه من حيث الشكل مع مثيلاتها من المقترحات التي دائماً ما دأبت الإدارات المتعاقبة على تقديمها خلال الأشهر الأولى من كل عام، والتي غالباً ما توصف بـ«الميزانية النحيلة»، أو «قائمة أمنيات البيت الأبيض»، إلا أنها حملت تغيرات جوهرية في المضمون في إطار ما يسميه مسؤولو إدارة ترامب «أيديولوجيا اليقظة (Woke)»، والتي تركز بشكل خاص على تخفيض النفقات الفيدرالية في عدد من المجالات، كبرامج التنوع وسياسات النوع الاجتماعي والمناخ والمساعدات الخارجية والتعليم والصحة، إضافة إلى إطلاق صفارة البدء لأكبر عملية تحديث للجيش من عقود. وكما هو معروف، فإن آخر عملية إصلاح رئيسية لمعدات الجيش الأميركي تعود إلى أواخر السبعينيات ومنتصف الثمانينيات، حيث اعتُمدت أيضاً منظومة أسلحة جديدة بالكامل في أسلحة البر والجو والبحر، عُرفت وقتذاك باسم خطة الـ«Big Five» (الخمسة الكبار)، وارتكزت على إدخال خمس منصات عسكرية أساسية، هي: دبابة «أبرامز»، ومركبة «برادلي» القتالية، إضافة إلى مروحيتَي «أباتشي» الهجومية و«بلاك هوك»، ونظام صواريخ «باتريوت» للدفاع الجوي.
وفي ما يؤشر إلى ارتباط خطة ترامب لتعزيز ميزانية الدفاع، بجهود التعامل مع الصعود الصيني، وتطوّر القدرات العسكرية لبكين، لفت المتحدث باسم «البنتاغون»، ديفيد باتلر، في حديث إلى مجلة «نيوزويك»، إلى تغيّر إستراتيجيات الحروب وتكتيكاتها في عالم اليوم، بوصفه أحد أبرز دوافع تحديث الجيش، متطرقاً إلى «التطور التكنولوجي الفائق السرعة في ساحات المعارك»، والذي أبرزته حرب أوكرانيا وحروب الشرق الأوسط.
وأقرّ باتلر بأن الجيش الأميركي لم يستطع مواكبة ذلك التطور، معترفاً بأن التكنولوجيا العسكرية الأميركية المخصصة للتصدّي للطائرات المسيّرة تعدّ «على درجة عالية من التخلف». وبيّن أن الخطة، التي تبلغ تكلفتها 36 مليار دولار، تشمل تحديث الأنظمة والأسلحة على غرار الدبابات والمروحيات، واستبدال طرازات من الجيل الجديد بها، مضيفاً أنها تلحظ كذلك «أهمية الاستثمار في تكنولوجيا الحرب الإلكترونية، بالإضافة إلى تطوير تقنيات عسكرة برامج الذكاء الاصطناعي والروبوتات لأغراض مراقبة حركة الأفراد عبر تطبيقات مختلفة، بما يشمل السعي إلى تطوير البنية التحتية لشبكة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية كخدمتَي ستارلينك وستار شيلد وغيرهما». وشدّد على أنه «يتعين على الجيش أن يستثمر كثيراً في تلك التقنيات، لأننا تردّدنا في القيام بذلك على مدى العشرين عاماً الماضية».
ويقف وراء خطة توسيع الإنفاق العسكري عدد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب، ومن أبرزهم وزير الدفاع، بيت هيغسيث، الذي شدّد، في مذكرة مسرّبة عن «البنتاغون»، على «ضرورة إعطاء الأولوية لأغراض الدفاع عن وطننا وردع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ». وفي مذكرته المؤرّخة في الثلاثين من نيسان الماضي، أوعز هيغسيث إلى فريق وزارة الدفاع بالشروع في «بناء قوة أصغر حجماً وأكثر فتكاً»، داعياً إلى «التخلص من البرامج القديمة والعديمة الجدوى»، في موازاة تدابير أخرى كـ«البدء في إعادة هيكلة المقرات»، إضافة إلى «تحديد أولويات الاستثمارات وفقاً لإستراتيجية الإدارة».
كما نبّه إلى «أولوية تخصيص الموارد الحالية المتاحة لتحسين أنظمة إطلاق النار الدقيقة البعيدة المدى، وقدرات الحرب السيبرانية والإلكترونية، فضلاً عن تطوير قدرات الفضاء الصاروخي»، بما في ذلك نظام «القبة الذهبية لأميركا». وفي إطار التحذير من تبعات تلك الخطة على الاقتصاد الأميركي، والذي يعاني أصلاً اختلالات في ظل حرب تجارية بين واشنطن وبكين، رأت أستاذة العلاقات الدولية في جامعة «أوكسفورد»، نيتا كروفورد، أن مسوّدة الموازنة «تستنزف ما تبقى من الاقتصاد الأميركي»، مبينة أنّ ما تضمنته من رفع للنفقات العسكرية يشكل «أمراً غير ضروري... ذلك أن الصين لم ترقَ بعد إلى أن تصبح ندّاً (عسكرياً) للولايات المتحدة، فيما تبدو روسيا كقوة عسكرية، ضعيفة جداً بعد سنوات من القتال في أوكرانيا».